موازين النصر والهزيمة
صفحة 1 من اصل 1
موازين النصر والهزيمة
[justify]ثار لغطٌ كثيرٌ بعد محرقة وملحمة غزة، ومن الطبيعي عندما تسكت البندقية أن يكثر الكلام، أما عندما كانت البندقية والحجر والصاروخ يتكلم سكت الكلام.. المهم السؤال الذي أثاره هذا اللغط من المهزوم والمن المنتصر؟!.. ولا شك أنه عندما تختلف الموازين والمقاييس فإن الحكمَ على الأحداث والأشخاص والأشياء سيختلف تبعًا لذلك.. فتعالَ معي أخي القارئ وأختي القارئة كيف صحح القرآن وصححت السنة الكثير من المفاهيم والتصورات الخاطئة عند الإنسان عمومًا، وعند المسلم خصوصًا وأخبرانا أنه عندما تنضبط الموازين ينضبط الحكم الناتج من هذا الميزان أو هذا المقياس أو هذا المكيال.. وعندما يختل لا يختل فقط الحكم بل يختل السلوك والأفعال والأقوال.
هذا مثالٌ عجيبٌ تحدث عنه عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قائلاً: "أعجبُ الناس إيمانًا سحرة فرعون أصبحوا سحرةً وأضحوا مؤمنين فباتوا شهداء في الجنة"، والشاهد في قصة هؤلاء السحرة قولهم في الصباح لفرعون ﴿أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ (الشعراء: 41)، فإذا به يرى في هذا الطلب طمعًا في مغنمٍ مادي فزادهم من جنس ما يريدون- هكذا في كل زمان ومكان- منصبًا وسلطانًا وجاهًا يتربحون منه بأكثر من الأموال التي سيعطيهم إياها: ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (الشعراء: من 42).
هذا الميزان الدنيوي البحت عندما اعتدل بدخول الإيمان إلى قلوب السحرة وجدنا كلامًا غير الكلام وموقفًا رائعًا غير الموقف المتخاذل المتدني، بينما فرعون في أول النهار يستجيب للمطالب ويزيد من الطمع وفي آخر النهار يتوعد ويُهدد، وهو في الحالتين جاد في التنفيذ بما يرغب ويرهب النفس البشرية، فماذا كان الرد في مقابل التهديد الذي تم تنفيذه فعلاً: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)﴾ (طه).. ونفَّذ فرعون تهديده ولم يحصل السحرة على طلبهم الذي طلبوه أول النهار ولكنهم حصلوا على أسمى أمانيهم آخر النهار.. فمن المنتصر ومَن المهزوم؟.
أُبادر فأقول تلخيصًا للقضية إن مَن حقق أهدافه وآماله هو المنتصر، ومَن خاب سعيه وتبددت أمانيه فهو المهزوم بغض النظر عن المكاسب المادية والخسارة البشرية.
وموقف آخر يكاد يكون شبيهًا، وهو قول الله عز وجل عن الأخدود ومَن حفره وأضرموا النار فيه ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4)﴾ (البروج)، أما عن المؤمنين الذين قال طفل منهم مشجعًا: "يا أماه، لا تقاعسي إنك على الحق"، نعم لا تخافي ولا تحزني إن هم أحرقوك بالنار فهم المحروقون لا نحن.. ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)﴾ (البروج)، قتلانا في الجنة وقتلاهم أو حتى موتاهم وإن طال بهم العمر ففي النار؛ لذلك يصحح القرآن المفهوم ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾ (آل عمران).
وتصحيح التصورات والمفاهيم كثير في القرآن الكريم في قول الله عزَّ وجل عن الإنسان ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾ (الفجر).. كلا ليست هذه إهانة إنما هو اختبار سواء بسواء مثل الاختبار بالغنى.
ومثله أيضًا أصحاب الجنة عندما قرروا أن يحرموا المساكين من صدقات حديقتهم أي جزءٍ من الثمار وظنوا أنهم بهذا يربحون ويكنزون لأنفسهم ما كان الفقراء يأخذونه كل عام فإذا بهم عندما خسروا أصل الحديقة وليس فقط جزء من الثمار، فضلاً عن كل الثمار يتأكدون أن هذا هو الخسران المبين.. ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)﴾ (القلم).
ومثال آخر قاله الذين يريدون الحياة الدنيا عندما رأوا ما عند قارون من كنوز ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (القصص: من الآية 79)، فلما رأوا من الأحداث ما اعتدل به ميزانهم عندما خسف الله بقارون وبداره وبكنوزه الأرض اعتدل حكمهم على الأشخاص والممتلكات ﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)﴾ (القصص)، بل أكثر من هذا لقد تبيَّن لهم أن أقصى أمانيهم عندما كانت الدنيا كل همهم هو كارثة لو كان الله عز وجل قد استجاب لرغبتهم ﴿لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾.
وقد جاءت السنة المطهرة وسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بل ومواقف الصحابة والتابعين والصالحين والتائبين عندما يعتدل الميزان فتتغير المواقف وتعتدل هي الأخرى.
نموذج الغلام الذي قال للملك إنك لن تقتلني إلا إذا قلت باسم الله رب الغلام وقتله فعلاً بعد أن نطق الملك مدعيًا الألوهية باسم الله رب الغلام ظنًّا في أنه سيحقق هدفه بقتل الغلام فإذا بالغلام يُحقق هدفه الأسمى وأمنيته الأعلى الشهادة في سبيل الله بعد صبر وثبات وانتشار الإسلام وصحوة الأمة كلها (وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع)، فهل قتل الغلام هزيمة له ونصر للملك أم العكس حتى عند الملك نفسه رغم قصر نظره؟.
ويضبط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الميزان: "أتدرون مَن المفلس؟" إنه عندنا بميزاننا مَن ضاع ماله أو خسرت تجارته فأعلن الإفلاس.. لا إن المفلس الحقيقي إنسانٌ آخر ولو كانت عنده كل كنوز الدنيا (إفلاس الحسنات).
ويُعدِّل لنا عليه الصلاة والسلام التصور ليعتدل السلوك: "ما نقص مالٌ من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه"، بل يُقسم على ذلك والله عزَّ وجل يبر قسمه.
وهذا الخلل الذي نراه في الأمة شخَّصه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع له العلاج "ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة من صدور عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، وإن أردتم العلاج فهو نزع حب الدنيا من القلوب ووضعها في الأيدي لنحسن توظيفها طاعةً لله ونفعًا للبشرية.
"كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟"، وقد حدث هذا التصور الخاطئ كما بشَّر الصادق المصدوق ونتج عنه ما بعده سلوك مختل مبني على ميزان أعمق خللاً، "كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟".
فهيا نُصحح فهمنا لدنيانا وموازين الصراع والعيش فيها ليعتدل وينضبط عملنا وقولنا وحكمنا كما رأينا التحول الفذ عند الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما دخل الإيمان قلبه.. بل هذه هي الخنساء التي ملأت الدنيا صراخًا وعويلاً ورثاءً في شهرٍ لأخيها صخر، فلما استُشهد أربعةٌ من أبنائها كانت جملة واحدة نابعة من قلبٍ خالط الإيمان بشاشته فاعتدل ميزانه "الحمد لله الذي شرفني باستشهاد أبنائي الأربعة في سبيله".
هيا نضبط موازيننا على مرجعية القرآن والسنة ليعتدل الميزان ويعتدل الحكم ومن بعده القول والفعل، فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وأكمل يا رب إيماننا باعتدال ميزاننا في الحكم على الأشخاص والأحداث.. فإن مَن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان، كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعذرةً في الإطالة، ونعود إلى إجابة السؤال ماذا كان هدف الصهاينة من هذه الحرب الضروس ومحرقة الهولوكوست البشعة التي أضرموها وأجرموها بنصِّ كلامهم هم "القضاء على حماس، ووقف إطلاق الصواريخ"، وكان هدف المقاومة كلها وليس فقط حماس هو الصبر والثبات ووقف الحصار القاتل ورد العدوان وكانت أسمى أمانيهم الشهادة في سبيل الله (كلنا مشاريع شهادة).. فها هم الصهاينة قد كشفوا عن وجههم القبيح وفضحوا جرائمهم ما يحاولون ستره بالادعاءات الكاذبة والإعلام المضلل، فكرههم كل شعوب العالم الحرة، ورفع الله شأنَ المقاومة ومقامها في العالمين، وضرب شعب فلسطين في غزة أروع الأمثلة البشرية في زماننا هذا، وتميَّزت المواقف وتم فرز كل الأشخاص والهيئات والمؤسسات.. ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)﴾ (آل عمران)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هذا مثالٌ عجيبٌ تحدث عنه عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قائلاً: "أعجبُ الناس إيمانًا سحرة فرعون أصبحوا سحرةً وأضحوا مؤمنين فباتوا شهداء في الجنة"، والشاهد في قصة هؤلاء السحرة قولهم في الصباح لفرعون ﴿أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ (الشعراء: 41)، فإذا به يرى في هذا الطلب طمعًا في مغنمٍ مادي فزادهم من جنس ما يريدون- هكذا في كل زمان ومكان- منصبًا وسلطانًا وجاهًا يتربحون منه بأكثر من الأموال التي سيعطيهم إياها: ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (الشعراء: من 42).
هذا الميزان الدنيوي البحت عندما اعتدل بدخول الإيمان إلى قلوب السحرة وجدنا كلامًا غير الكلام وموقفًا رائعًا غير الموقف المتخاذل المتدني، بينما فرعون في أول النهار يستجيب للمطالب ويزيد من الطمع وفي آخر النهار يتوعد ويُهدد، وهو في الحالتين جاد في التنفيذ بما يرغب ويرهب النفس البشرية، فماذا كان الرد في مقابل التهديد الذي تم تنفيذه فعلاً: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)﴾ (طه).. ونفَّذ فرعون تهديده ولم يحصل السحرة على طلبهم الذي طلبوه أول النهار ولكنهم حصلوا على أسمى أمانيهم آخر النهار.. فمن المنتصر ومَن المهزوم؟.
أُبادر فأقول تلخيصًا للقضية إن مَن حقق أهدافه وآماله هو المنتصر، ومَن خاب سعيه وتبددت أمانيه فهو المهزوم بغض النظر عن المكاسب المادية والخسارة البشرية.
وموقف آخر يكاد يكون شبيهًا، وهو قول الله عز وجل عن الأخدود ومَن حفره وأضرموا النار فيه ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4)﴾ (البروج)، أما عن المؤمنين الذين قال طفل منهم مشجعًا: "يا أماه، لا تقاعسي إنك على الحق"، نعم لا تخافي ولا تحزني إن هم أحرقوك بالنار فهم المحروقون لا نحن.. ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)﴾ (البروج)، قتلانا في الجنة وقتلاهم أو حتى موتاهم وإن طال بهم العمر ففي النار؛ لذلك يصحح القرآن المفهوم ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾ (آل عمران).
وتصحيح التصورات والمفاهيم كثير في القرآن الكريم في قول الله عزَّ وجل عن الإنسان ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾ (الفجر).. كلا ليست هذه إهانة إنما هو اختبار سواء بسواء مثل الاختبار بالغنى.
ومثله أيضًا أصحاب الجنة عندما قرروا أن يحرموا المساكين من صدقات حديقتهم أي جزءٍ من الثمار وظنوا أنهم بهذا يربحون ويكنزون لأنفسهم ما كان الفقراء يأخذونه كل عام فإذا بهم عندما خسروا أصل الحديقة وليس فقط جزء من الثمار، فضلاً عن كل الثمار يتأكدون أن هذا هو الخسران المبين.. ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)﴾ (القلم).
ومثال آخر قاله الذين يريدون الحياة الدنيا عندما رأوا ما عند قارون من كنوز ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (القصص: من الآية 79)، فلما رأوا من الأحداث ما اعتدل به ميزانهم عندما خسف الله بقارون وبداره وبكنوزه الأرض اعتدل حكمهم على الأشخاص والممتلكات ﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)﴾ (القصص)، بل أكثر من هذا لقد تبيَّن لهم أن أقصى أمانيهم عندما كانت الدنيا كل همهم هو كارثة لو كان الله عز وجل قد استجاب لرغبتهم ﴿لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾.
وقد جاءت السنة المطهرة وسيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بل ومواقف الصحابة والتابعين والصالحين والتائبين عندما يعتدل الميزان فتتغير المواقف وتعتدل هي الأخرى.
نموذج الغلام الذي قال للملك إنك لن تقتلني إلا إذا قلت باسم الله رب الغلام وقتله فعلاً بعد أن نطق الملك مدعيًا الألوهية باسم الله رب الغلام ظنًّا في أنه سيحقق هدفه بقتل الغلام فإذا بالغلام يُحقق هدفه الأسمى وأمنيته الأعلى الشهادة في سبيل الله بعد صبر وثبات وانتشار الإسلام وصحوة الأمة كلها (وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع)، فهل قتل الغلام هزيمة له ونصر للملك أم العكس حتى عند الملك نفسه رغم قصر نظره؟.
ويضبط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الميزان: "أتدرون مَن المفلس؟" إنه عندنا بميزاننا مَن ضاع ماله أو خسرت تجارته فأعلن الإفلاس.. لا إن المفلس الحقيقي إنسانٌ آخر ولو كانت عنده كل كنوز الدنيا (إفلاس الحسنات).
ويُعدِّل لنا عليه الصلاة والسلام التصور ليعتدل السلوك: "ما نقص مالٌ من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه"، بل يُقسم على ذلك والله عزَّ وجل يبر قسمه.
وهذا الخلل الذي نراه في الأمة شخَّصه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع له العلاج "ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة من صدور عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، وإن أردتم العلاج فهو نزع حب الدنيا من القلوب ووضعها في الأيدي لنحسن توظيفها طاعةً لله ونفعًا للبشرية.
"كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟"، وقد حدث هذا التصور الخاطئ كما بشَّر الصادق المصدوق ونتج عنه ما بعده سلوك مختل مبني على ميزان أعمق خللاً، "كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟".
فهيا نُصحح فهمنا لدنيانا وموازين الصراع والعيش فيها ليعتدل وينضبط عملنا وقولنا وحكمنا كما رأينا التحول الفذ عند الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما دخل الإيمان قلبه.. بل هذه هي الخنساء التي ملأت الدنيا صراخًا وعويلاً ورثاءً في شهرٍ لأخيها صخر، فلما استُشهد أربعةٌ من أبنائها كانت جملة واحدة نابعة من قلبٍ خالط الإيمان بشاشته فاعتدل ميزانه "الحمد لله الذي شرفني باستشهاد أبنائي الأربعة في سبيله".
هيا نضبط موازيننا على مرجعية القرآن والسنة ليعتدل الميزان ويعتدل الحكم ومن بعده القول والفعل، فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وأكمل يا رب إيماننا باعتدال ميزاننا في الحكم على الأشخاص والأحداث.. فإن مَن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان، كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعذرةً في الإطالة، ونعود إلى إجابة السؤال ماذا كان هدف الصهاينة من هذه الحرب الضروس ومحرقة الهولوكوست البشعة التي أضرموها وأجرموها بنصِّ كلامهم هم "القضاء على حماس، ووقف إطلاق الصواريخ"، وكان هدف المقاومة كلها وليس فقط حماس هو الصبر والثبات ووقف الحصار القاتل ورد العدوان وكانت أسمى أمانيهم الشهادة في سبيل الله (كلنا مشاريع شهادة).. فها هم الصهاينة قد كشفوا عن وجههم القبيح وفضحوا جرائمهم ما يحاولون ستره بالادعاءات الكاذبة والإعلام المضلل، فكرههم كل شعوب العالم الحرة، ورفع الله شأنَ المقاومة ومقامها في العالمين، وضرب شعب فلسطين في غزة أروع الأمثلة البشرية في زماننا هذا، وتميَّزت المواقف وتم فرز كل الأشخاص والهيئات والمؤسسات.. ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)﴾ (آل عمران)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مسلم 1980- عضو فعال
- عدد الرسائل : 54
اعلام الدول :
المهنة :
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 27/02/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى