حَلُّ الدولتَيْنِ .. وَهْمٌ قد تبَدّد

دعاة السلام مع إسرائيل لا يُخْفُون عنا ولا عن أنفسهم أن أقصى أمانيهم هو تحقيق سلام مع الكيان الصهيوني, يقوم على ما يُسَمَّى بحل الدولتين , على أساس أن إسرائيل ترفض من حيث المبدأ فكرة الدولة الواحدة متعددة الأعراف والقوميات والأديان، تضمُّ كل الإسرائيليين والفلسطينيين؛ لأن ذلك من وجهة نظر إسرائيل يقضي على عبرية ويهودية الدولة الإسرائيلية, وهم يرتجفون رُعْبًا إذا ما طَرَحَ أحد السياسيين العرب أو الفلسطينيين هذا الحل، ويعتبرونه طريقًا لنهاية فكرة الصهيونية، وإسرائيل العبرية، ولذا فإن الرئيس السابق جورج بوش كان يُطَمْئِنُ الإسرائيليين بأن أمريكا لن تقبل بذلك يومًا, وقام بإصدار ما يُسَمَّى بوعد بوش بالمحافظة على عبرية الدولة الصهيونية، رغم أن ذلك يقدح تماما في أي مصداقية مزعومة للديمقراطية الغربية عمومًا، والأمريكية خصوصًا؛ لأنه نوعٌ من الاعتراف بالعنصرية وتكريسها, فإن جورج بوش لم يتورَّع عن تقديم هذا الوعد.
وكان سياسيون فلسطينيون، مثل الدكتور عزمي بشارة، قد اقترحوا حل الدولة الواحدة, إلا أن ساسة إسرائيل يعتبرون ذلك من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها.
وبالطبع نحن لسنا مع حل الدولة أو الدولتين، بل مع تحرير كامل التراب الفلسطيني, إلا أننا فقط نحاول فَهْمَ ما يجري، وتقديم النصيحة للذين لا يزالون يراهنون على إمكانية السلام مع الكيان الصهيوني, قائلين لهم: إن ذلك وَهْمٌ قد تَبَدَّدَ.
وما يعنينا هنا هو أن أقصى ما يحلم به دعاة السلام العرب وغير العرب، هو: حل الدولتين, أي دولة لإسرائيل ودولة فلسطين, ولكن الواقع على الأرض ينسف هذا الوهم تمامًا؛ فمن ناحيةٍ فإن الرئيس أوباما مثلًا, وحتى لو افترضنا جدلًا رغْبَتَهُ في حل الدولتين، غيرُ قادر على إجبار إسرائيل على تفكيك الجدار العازل, وبديهي أنّ الجدار قد أكل الجزء الأكبر من المناطق التي كان من المفروض أنْ تكون مكانًا للدولة الفلسطينية, وبديهي أنه طالما كان هناك جدار، فلا مكان ولا فرصة لقيام الدولة الفلسطينية المزعومة أكثرَ من هذا، فإن إسرائيل لا تزال حتى هذه اللحظة، تقيم المزيد من المستوطنات، وليس العكس، وآخر ما يمكن رصده في هذا الصدد هو بَدْءُ تنفيذ توسعات بحجم 3500 مسكن جديد في مستوطنة معاليم أدوميم شرق القدس، وقالت وزارة الحرب الصهيونية: إنّ هذا الإجراء هو جُزْءٌ من خطة إسرائيل بالنسبة للقدس!
ودولة إسرائيل في أي تسوية دائمة, وكذا فإن الحفريات تحت المسجد الأقصى لا تزال مستمرة, بل ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة, لدرجة أن الشيخ تيسير رجب التميمي قاضي قضاة فلسطين, ورئيس المجلس الأعلى الشرعي بها, حذَّر من انهيار المسجد الأقصى جرَّاء تلك الحفريات الصهيونية المستمرة, مُوَضِّحًا أن قوات الاحتلال الصهيوني أذابتْ كل الصخور تحت المسجد الأقصى بمواد كيميائية، وأزالت معظم الأتربة, وأصبح المسجد مُعَلَّقًا في الهواء, إضافةً إلى وجود تصدُّعَاتٍ كبيرةٍ في الأسوار الغربية, وأنّ انهيار أرضية فصل مدرسة القدس الأساسية التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينية (الأونروا) في مدينة القدس، بالقرب من المسجد الأقصى، هو مُؤَشِّرٌ على إمكانية انهيار المسجد الأقصى في أي وقت بهزة طبيعية أو مُفْتَعَلَة!
أضف إلى كل ذلك, أنّ الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أفرزتْ أكثر القوى تطرُّفًا في إسرائيل- وكلهم بالمناسبة متطرفون، فليس في إسرائيل يمين ويسار، بل ذئاب وثعالب!- المهم أن الانتخابات أفرزت الذئاب الذين لن يتركوا حتى ورقة توتٍ لتغطية عورة دعاة السلام العرب, فزعماء الأحزاب الفائزة يُصِرُّون على المزيد من الاستيطان, ويرفضون حَلَّ الدولتين، ويعرضون ما يُسَمَّى السلام مقابل السلام , وبعضهم يدعو عَلَنًا، ليس إلى إخلاء بعض الأراضي لصالح الفلسطينيين, بل دفع عرب 1948 إلى الخروج من إسرائيل؛ للحفاظ على نقاء الدولة العبرية كما يزعمون!
وهكذا فإنّ وَهْمَ حل الدولتين قد تَبَدَّدَ, وعلى دعاة السلام العرب أن يعيدوا حساباتهم، إن كان بهم بقيةٌ من إحساسٍ أو عَقْلٍ!!